الإخوان وأمريكا.. حوار أم فخ؟!
الحوار فى حد ذاته. أمر مطلوب ومشروع ، بل إن الحضارة الإسلامية هى حضارة
الحوار بامتياز ، والله سبحانه وتعالى حاور إبليس وسمح له بمناقشته ، بل
وسجل له ما قاله من حجج – تافهة – ومن ثم رد الله عليها فى القرآن الكريم
ليعلمنا مشروعية الحوار مع الأخر مهما كان – وليس هناك أسوأ من إبليس طبعا.
هذا
من حيث العموم ، ولكن لكل حالة حوار ظروفها الموضوعية والذاتية ، وكثير من
القضايا تستخدم طبعا فى عكس المطلوب منها أو للالتفاف على هذا المطلوب.
ومن
هنا فالحوار بين الإخوان والأمريكان ليس مجرماً من حيث المبدأ ، ولكن
علينا أن نتأمل فى الظروف الموضوعية – داخليا وإقليميا ودوليا لنحكم على
هذا الحوار سلبا أم إيجابا.
بداية فان هناك تاريخ – موجود بالفعل وان
كان فيه الكثير أيضا من الادعاءات والافتراءات أو تحميل المسائل أكثر مما
تحتمل من الحوار بين الإخوان والأمريكان ، و قبلهم الحوار مع الإنجليز و
خاصة عقب ثورة 1952،
وقد دفع الأخوان المسلمون فى ذلك الوقت وبعده ثمنا باهظا لذلك الحوار.
ورغم
أن نية الإخوان فى ذلك الوقت كانت طيبة إلا أن الطريق إلى جهنم مملوء
بالنوايا الطيبة ، وكذا فان ذلك لا يعنى أن رجال ثورة 1952 فى هذا الموضوع
كانوا على حق، فهم أنفسهم اتصلوا قبل ذلك وبعده بالإنجليز والأمريكان و
الإسرائيليين أيضا ، وفى عموم الأمر فان تلك الحادثة لا تبرر بالطبع كل
تجاوزات ثورة 1952 فى حق الإخوان المسلمين والشعب المصرى عموما.
المهم
أن الإخوان المسلمين دفعوا ثمنا باهظا وخاصة من سمعتهم ومصداقيتهم بسبب
تلك الخطوة غير الضرورية وغير المبررة و لا يجب بالطبع تكرار نفس الخطأ ،
فلا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
الحوار الإخوانى الأمريكانى ليس جديدا
إذا ، و الكثير من الروايات حول هذا الحوار أو الرسائل التى يحاول الإخوان
إرسالها إلى الأمريكان بأكثر من طريقة بدعوى ضرورة أن نطمئن الآخرين و
ندعهم يفهموننا و لايسيئون الظن بنا أو الخوف منا – هذه الرسائل تم الحديث
عنها و كشفها أكثر من مرة.
ولكننا لانميل إلى السير وراء الادعاءات ـ
حقيقية أو مفتراة ـ وبديهي أن هناك فرقا بين إفهام وتفهيم الآخرين
لمواقفنا و مبادئنا و طبيعتنا وأهدافنا عن طريق الرسائل الإعلامية المتاحة
للجميع و بين المواقف العملية أو المفاوضات بين مسئولين من الطرفين.
تصاعد
الحديث عن إمكانية تفاهم أمريكى إخوانى جعل المسألة تقفز إلى الصدارة ،
خاصة بعد الضجة الهائلة التي أعقبت اجتماع سيتي هوير نائب رئيس الأغلبية
الديمقراطية في الكونجرس الأمريكي مع ممثل الإخوان في البرلمان المصري سعد
الكتاتني ، وفى الحقيقة فان مراكز أبحاث أمريكية تابعة للخارجية
والبنتاجون والمخابرات تقول بأن التيار الأكثر قبولا فى الشارع المصرى
والعربى والإسلامى هو التيار الإسلامى ، وأنه لا يمكن ضبط هذا الشارع إلا
عن طريق الإسلاميين، ومن ثم يجب تشجيع هؤلاء الإسلاميين على التخلى عن شئ
من الثوابت – على غرار التجربة التركية للسماح لهم بالمشاركة فى السلطة،
وقد لوحت الإدارة الأمريكية بذلك لتحقيق أكثر من هدف، منها الضغط على
الحكومات بالتخويف من إخراج المارد من القمقم ومن ثم فعلى هذه الحكومات أن
تنبطح أكثر وتنفذ أسرع ما يطلب منها، ومنها أن تلك الإدارة باتت تدرك أن
استمرار الديكتاتورية والفساد وانسداد أفق التغيير الديمقراطى سيؤدى إلى
المزيد من تصاعد الإرهاب الاسلامى ضد أمريكا وإسرائيل وبالطبع هذا تفسير
جزئي فالذى يؤدى إلى تصاعد هذا الإرهاب هو ممارسات أمريكا وإسرائيل قبل أى
شئ آخر، ومن ثم حسب رؤية الأوساط الأمريكية فإنه من الضروري إحداث نوع من
الإصلاح فى تلك الدول وتجديد شباب الطبقة الحاكمة وتبحث أمريكا عن بدائل
ليبرالية أو قومية أو حتى يسارية ولكنها تكتشف فى كل مرة أن تلك القوى بلا
جمهور حقيقى وأنها لن تنجح فى أداء المهمة.
وهكذا فليس أمامها إلا شرب العلقم والمطلوب تخفيف هذا العلقم أو إلغاء مرارته أو إنهاء وجوده إن أمكن عن طريق مشاركته فى السلطة.
تخفيف
العلقم يتطلب استدراج تلك القوى إلى القبول بالعولمة والرأسمالية، والقبول
بوجود إسرائيل !! وهذه شروط لا يمكن أن تتخلى عنها أمريكا، وبديهى أن حالة
تركيا هنا لا يمكنها أن تكون قياسا ناجحاً، فصحيح أن
الإسلاميين
الأتراك قد تخلوا عن ثوابت شرعية بحجة الضرورات تبيح المحظورات، ولكن
الموضوع الإسرائيلى ليس حرجا ومحوريا بالنسبة للشارع التركى وهو بالنسبة
للحركات الإسلامية فى دول المواجهة موضوع محوري، فإذا قبلت تلك الحركات
بشرعية وجود إسرائيل فقدت كل مصداقيتها فورا، وانتهت إلى نوع من اليمين
الاسلامى المحافظ سوف يتآكل مع الوقت وينتهي إلى لاشئ وهذا ما تريده
أمريكا بالضبط مع العلم بأن حركة مثل حركة الإخوان المسلمين ثبتت
مصداقيتها ولا يزال الناس يثقون بها - رغم أخطائها وخطاياها - بسبب جهادها
فى فلسطين عام 1948، ومواقفها بالنسبة للقضية، وبسبب الجهد الهائل والرائع
الذى بذلته حركة حماس الخارجة من رحم الإخوان المسلمين فى كفاحها ضد
الكيان الصهيونى، ولو فقد الإخوان المسلمون هذا الموضوع أو اكتفوا مثلاً
بالمطالبة بقرار 242 أو إقامة دولة فلسطينية على الضفة وغزه أو فرطوا فى
حق العودة، أو شئ من التنازل فى موضوع القدس لفقدوا مصداقيتهم فوراً،
ولاينفعهم هنـا أن يهاجموا اليمين الاسرائيلي أو يطالبون بالشرعية الدولية
.... الخ لأن هذا كله تطالب به حركات وقوى سياسية أخرى إذن فلا تميز
للإخوان فى هذه الحالة إذا فعلوا ذلك.
حسنا – لنفرض أن الإخوان
المسلمين قد وصلوا إلى نوع من الاتفاق مع الأمريكان وبما أنهم قطاع كبير
وهام ولهم تنظيم هائل فى الشارع المصرى هو الأول من حيث العدد والقوة بلا
منازع، ووصلوا إلى السلطة فليس أمامهم ـ بسبب أن العالم قرية صغيرة، وبحكم
أن الهيمنة فى العالم للأمريكان، وبحكم سيطرة الغرب وأمريكا وإسرائيل على
القوة والاقتصاد أو الأعلام ـ إلا محاولة الالتفاف على ذلك وهذا أصبح
صعباً بل مستحيلاً، لأنه لا توجد هوامش للمناورة بسبب وجود استقطاب دولى
مثلاً كما كان حالة وجود الاتحاد السوفيتي السابق، أو أن يقتربوا من
الأجندة الأمريكية، فيقولون كلاما غير محدود بخصوص إسرائيل، ويفتحون
الأسواق على مصراعيها أمام الأمريكان وبالتالى تزداد حالة الفقر والتبعية
الاقتصادية، ولا يشعر الناس بالقوة والكرامة الوطنية حيث لم يعد موجوداً
نوع من المقاومة للمشروع الأمريكى الصهيونى، وهذا عمليا يؤدى إلى تعامل
الناس مع الإخوان كما لو كانوا حكومة عميلة للأمريكان، وتظهر نفس المظاهر
فى المجتمعات المعادية لأمريكا وإسرائيل، فيكتشف الأمريكان أن الإخوان لم
يؤدوا ما هو مطلوب فيتم تغييرهم، وبذلك يخسر الإخوان الدنيا والآخرة أو أن
يقوم الإخوان – فى الحكومة – بمواجهة أمريكا وإسرائيل وهو غير متوقع منهم
أصلا بحكم مصالحهم و تاريخهم، وحتى ولو تجاهلوا ذلك لقامت أمريكا بضربهم
وضرب البلد ذاتها على غرار أفغانستان والعراق. وهكذا فإن من الأفضل
للأخوان طبعا أن يظلوا فى المعارضة وأن يتحولوا إلى حركة تحرر وطنى معادية
لأمريكا وإسرائيل وللعولمة والرأسمالية فلا يعرضون أنفسهم للضياع وسوء
السمعة إلى أن تظهر استقطابات دولية تسمح بهامش من المناورة أو يقضى الله
أمراً كان مفعولا. نحنُ إذن أمام فخ أمريكي واضح لاستدراج الإخوان فإما أن
يؤدوا المهمة الأمريكية بنجاح ويفقدوا شعبيتهم ومصداقيتهم وهذا متوقع
جداً، وإما فالمصير هو مصير العراق وأفغانستان، والأمريكان بحاجة شديدة
إلى الإخوان فى هذا الصدد لأن الأمريكان لهم الآن أجندة إمبراطورية واضحة
تقتضى الهيمنة على العالم والسيطرة على المناطق الاستراتجية وتأمين وجود
إسرائيل، وهذا كله لن يتحقق بسهولة مادامت هناك مقاومة إسلامية أثبتت
فعاليتها وقدرتها على إنهاء هذا المشروع الأمريكى الإمبراطوري أو تعطيله
أو جعله بلا جدوى اقتصادية، والأمريكان يعرفون أنه لا يستطيع أن يروض هذا
العفريت إلا الإخوان ومن هنا جاءوا إليهم للحوار الذى هو ليس بريئًا وعلى
الإخوان ألا يقعوا فى هذا الفخ وإلا خسروا الدنيا والآخرة.