جاء في أحد الكتب العلمية الأجنبية (غير اليهودية) أن الإسرائيليين أسسوا حديقة حيوانات
في تل أبيب ُتعرض فيها الحيوانات "اليهودية" التي ورد ذكرها في التوراة. ورغم معرفتي
الواسعة نسبيًا (الآن) بالعقلية الصهيونية، فلابد من الاعتراف بأنني تعجبت كثيرًا. ويحق لي
أن أتعجب فأنا لا أتخيل أي مصري أو عربي قادرًا على أن يقترح أن نضع في حديقة
حيوانات الجيزة حيوانات عربية أو إسلامية أو مسيحية وحسب. وحتى التسمية نفسها
غبية ونشاز، فالحيوانات لا وطن لها ولا جنس، لأن الوطن فكرة إنسانية تاريخية أما الدين
فهو من نعم الله على الإنسان إذ أنه عز وجل عرض الرسالة على جميع الكائنات الطبيعية
فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، ولهذا نجد أنه من العسير علينا أن نتخيل جم ً لا
مسلمًا أو زرافة قبطية أو حصانًا يهوديًا مهما بلغ بنا الشذوذ مبلغه. ولكن العقلية الصهيونية
الإسرائيلية فريدة وفذة -كما يدَّعي الصهاينة- فدرجة عبادتها لذاتها وتمركزها على هذه
الذات لم يسبق لها مثيل، أو فلنقل – كي نتوخى الدقة – أنهما ليس لهما مثيل في العصر
الحديث. فعبادة الذات الجماعية (القبلية أو القومية) هي إحدى سمات عقل الإنسان في
مرحلة انتقاله من الطبيعة والفطرة إلى التاريخ والحضارة. ولعل الصهاينة على حق حين
يتحدثون عن "البقاء" و"الاستمرار" اليهوديين، إذ أبقى العقل الصهيوني على نمط التفكير
البدائي واستمر في هذه الطريقة رغم كل ما حدث من تقلبات وتبدلات وتحولات. لكن لابد
من التنبيه إلى أن الاستمرار يختلف عن التكرار، فالأول يتضمن التغير والتقدم أما الآخر فلا
يتضمن سوى الدوران الممل حول الذات.
" عبد الوهاب المسيرى "
[/b]